لِلمَوتِ هيبة مُخيفةٌ، تَصْطَفُّ الحُروفُ جَزِعةً خاشِعَةً مِن ذِكرِهِ، تَرتجِفُ خائِفةً مِن وُقوعِها حَولَ الكَلمة، تَنفِرُ من مَجلِسٍ يُذْكَرُ فيه، و أَستَحضِرُها لِواقعِ الكِتابةِ عنهُ مُجبَرة..
المَوتُ خاطفٌ مُميّزٌ غامِض، لا تَدري قُدومَه، و وَقتَما استَبعَدتَهُ اقتَربَ أكْثَر.. رُبّما هنا تَكمُن هَيبَتُه، في الذّكاءِ مثلما الغُموض..
أما نحن، فـَ لِأنَّنا نخافُهُ و نَعرفُ من يَكون، نَحتاجُ صَفعةَ فَقْدٍ كَي تُعيدَنا لَه، تَماماً كـَ تلكَ التي تَقومُ بِها قِصَّة الرَّحيل المُفاجِئ لأَحَدِهِم، و إبعادِه بِصَمت، شَهيق أرواحِنا و خَوفُها حينَها من خِفَّةِ الرَّحيل، أو مِن أن يَكون آخِرَ لقاءٍ جَمَعَنا، هو الأخير للأبد.....
عادةً في الفِراق، قَد نَلتَقي مَهما صَعُبَت احتِمالاتُنا، لكنَّ فِراقَ المَوتِ صارِمُ النِّهاية، لا احتِمالَ غيرَ ما رَسَمَه هو، وداعٌ أخيرٌ و كَفى!!
لكن لا تَحزَن إن لم يكُن لَكَ نصيبٌ في الوداعِ الأخير، صَدِّقْني أنْتَ بِأَلف خَير، آخِرُ وداعٍ فيهِ ثِقلُ الذِّكرى المُوحِشِ كلِّه..و إن كُتِبَ لَكَ نَصيبٌ فيه، فاعلم أنَّكَ قويّ جداً حتى اختارَك القَدَر له، صَدِّقني أنتَ أقوى مِمّا تَظُن، أقْوى بِشَهادَة القَدَر '!
...
عادةً، لِننسى أو لِنعتاد، نُواسي أَرْواحَنا بِأَن نَجعَلَ منَ الغُيّابِ حاضِرين، "هو لم يفارق، هو بيننا اليوم، في كل فرح و ترح يكونُ مَعَنا " ،.. أَكرهُ هذِه الفِكْرة جداً، نَظُنُّها تخَفِّف حِدّة الشُعور بالبُعدِ و الوَجَع ، لكنّها تَزيدُهُ بِحرقةٍ عَمياء، فـَ ما همَّني من ذِكرَياتِه و ذِكـْراه إن كانت روحُهُ في أَعالي السماء و جَسَدهُ تَحتَ آخرِ أَعْمَقِ أَرض؟!!.. و ما حاجَتي لِهذهِ الذِّكرى في حينِ أنّني لا أستَطيعُ سَماعَ صَوتِه أو رؤيَته باسِماً لي، أو أن أُحادِثَه كلما اشتَقتُه و أُمسِكَهُ كي لا يَرحَل، ما حاجَتي بِصورةٍ تَحكي نَفسَ النَّظَراتِ و الوَضعيَّةِ التي مللتُها، ما نَفْعُها و حَقيقَتُهُ سَراب!! .. حقاً، لطالما كان المَوتُ هو النهاية الأفجع، و الواقِعُ الأوجع، و الخاطف الأسرع، و الموعِدُ بَعدَ الأخير..!
..
لكنَّ أمرَ الرَّحيل و أحزانُ الفِراق لم تكُن يوماً حديثَ فِكرِ المُتأمِّلِ بِهذا الخاطِف الأقَرَبِ الأبْعَد، حيثُ أن الرّاحلَ هو الفِكرة، حالُه هو بَعدَ الرَّحيل !تُراهُ كَيفَ يَشعُر؟! فُضولُ ذرَّةٍ بشريةٍ مِنِّي يُنادي رَغبَتي بِأن أَعرِف.. أنا هنا بِألف حُزن، لكن كيف تكون حالُهُ هُوَ؟!، أتراه خائفٌ، أو سعيدٌ بما لَقي! علَّه استراح بهذا الرحيل، أو رَّبما تكونُ طريقُ الرَّحيلِ هذه شاقَّةً عليهِ أكثر!
...
... فِكرةُ العُمقِ المُظلمِ و الطَّمرِ الخانِقِ تُرعِب!!.. أو أظنُّهُ لا يَخْتَنِق، فَجِهازُهُ الذي يَخْتَنِق، و الذي يَخفِق و الذي يُقاوِم، كلُّها قد تَعطَّلت بشكلٍ استحقَّ التَّخلُّصَ منها، عُطلٌ أَخيرٌ لا مُصلِحَ له..!
...
المَوتُ نهايةٌ و رحيلْ، كم هو مريح أن ترحَلَ مُؤمناً صالِحاً، و كم هو رائعٌ الرَّحيلُ شَهيداً، طَريقُ السّعادةِ الأبَديَّة المَضمونُ أبداً، في الدُّنيا، و الآخِرة، و في هذا القَبرِ الذي لن يَكون مظلِماً كما باقي الحُفَر...
بالتفكير في الموت، كل البنود التي تَضْمَنُها و تَكْفَلُها الشَّهادة و الإيمان الخالِصِ تَجعَلُ مِنها الصَّفقَةَ الأَربَح.. " لا خَوِْفٌ عَلَيهِم وَلا هُمْ يَحْزَنونْ".. فَـ للمُفارِقين أَنْتَ بِخَير، و هُم أَكيدونَ أنك كَـذلك...!
...
اللهمَّ ارْزُقنا الثَّباتْ و حُسنَ الخاتِمة، و ادخِلنا الجَنَّةَ بِلا حِسابْ و لا سابِقِ عَذاب، و ارحَم مَوتانا فِي كلِّ مَكان..
...
عُلا أبوالرُّب
رائع بِرَوعتِكِ ، :)
ردحذفشكراً لك :)
حذفأزال المؤلف هذا التعليق.
حذفأزال المؤلف هذا التعليق.
حذف